بكم تبيع منطقة راحتك؟

من خلال عملي في مجال التوظيف، دائمًا ما كنت أتساءل عن السبب وراء التفاوت الكبير في الرواتب بين أشخاص متشابهين في العمر، سنوات الخبرة، وجودة العمل.


على سبيل المثال، قابلت مصممين متساويين في كل شيء تقريبًا: العمر، الخبرة، وحتى الأدوات التي يستخدمونها، لكن كانت رواتبهم مختلفة بشكل ملحوظ. أحدهم يحصل على راتب يصل إلى 4 أضعاف راتب الآخر!
فما السر؟


ربما ظننت، مثلما كنت أظن، أن الإجابة تكمن في الحظ أو القدرة على التفاوض أو العلاقات. لكن ما رأيته خلال عملي في مجال التوظيف كان أعمق من كل ذلك. هناك شيء واحد فقط يحدد الفارق بين الاثنين، وهو: ثمن منطقة الراحة.

الحديث الشخصي مع المتقدمين


من خلال حديثي الشخصي مع بعض المتقدمين للوظائف، اكتشفت أن هناك دائمًا نمطًا متكررًا بين الأشخاص الذين يحصلون على رواتب أعلى مقارنة بزملائهم.
الشخص ذو الراتب الأقل عادةً يميل للاستقرار في وظيفته الحالية، يختار الأمان ويبتعد عن المخاطرة.
بينما الشخص ذو الراتب الأعلى غالبًا ما يتميز بروح المغامرة، فهو لا يخشى الانتقال بين الشركات أو حتى قبول وظيفة بمسمى أو راتب أقل إذا كانت تمنحه فرصة لتعلم مهارات جديدة أو اكتساب خبرات إضافية.


السبب المخفي: قرار البقاء أو المخاطرة


الشخص الذي يتقاضى الراتب الأعلى كان مختلفًا بطريقة واحدة فقط: كان يجيد المخاطرة.
كان يقبل وظائف جديدة حتى لو كان ذلك يعني نزولًا في المسمى الوظيفي أو تخفيضًا مؤقتًا في الراتب، لكنه كان يبحث عن الفرص التي تنقله إلى مستوى أعلى.
على الجانب الآخر، الشخص ذو الراتب الأقل كان دائمًا يختار الأمان. اختار أن يبقى في وظيفته الحالية لسنوات، مفضلًا الراحة والاستقرار، لكنه دفع الثمن غاليًا.


الموقف الشخصي: ثمن الراحة في عملي


أتذكر موقفًا مشابهًا عندما كنت أعمل في إحدى الشركات. كنت أتناقش بشكل عفوي مع زملائي عن الرواتب، وانتشرت معلومة أن راتبي يعادل ضعف ما يحصل عليه زميل آخر، رغم أنه أقدم مني بخمس سنوات في نفس الشركة.
صُدم زميلي. كيف لشخص جديد مثلي أن يحصل على ضعف راتبه، رغم أنه قضى خمس سنوات من عمره في نفس المكتب، يؤدي نفس المهام؟
لكنه لم يرَ الصورة الكاملة.
خلال هذه السنوات الخمس، كنت قد تنقلت بين ثلاث شركات، عملت مع عملاء مختلفين، واكتسبت خبرات جديدة. بينما هو اختار البقاء في منطقة الراحة، وترك السوق يتطور من حوله دون أن يواكبه.


لماذا نهرب من الراحة؟


في كثير من الأحيان، تبدو الراحة مغرية. الوظيفة المضمونة، الراتب المستقر، الروتين اليومي الذي نعرفه جيدًا.
لكن الحقيقة أن هذه الراحة ليست مجانية. لها ثمن خفي، ندفعه على شكل فرص مفقودة، مهارات لم نتعلمها، ورواتب لم نحصل عليها.
عندما تختار الراحة، فأنت تختار البقاء في مكانك بينما يتقدم الآخرون. وعندما تجد نفسك بعد سنوات تتساءل لماذا لا يتحسن وضعك المادي، ستدرك أن الراحة كانت هي السبب.


الدرس الذي تعلمته:


أريدك أن تفكر بجدية: بكم تبيع راحتك؟
هل هي تساوي خمس سنوات من عمرك دون أي تقدم؟
هل هي تستحق أن ترى الآخرين يتفوقون عليك لأنهم كانوا أكثر جرأة؟
لن أكرر العبارات التحفيزية المملة التي نسمعها كل يوم، مثل “تعلم شيئًا جديدًا” أو “كسر الروتين”.
لكني سأقول لك شيئًا واحدًا: عندما تشعر بالراحة المفرطة في حياتك، اهرب!
الراحة مصيدة مغرية. تبدو جميلة وآمنة، لكنها قد تبقيك في مكانك لعقود، بينما يتقدم العالم من حولك.


الخلاصة:
الحياة مليئة بالفرص. بعضها يتطلب مخاطرة، وبعضها يأتي على حساب راحتك. القرار بيدك:
يمكنك أن تختار الراحة الآن، لكنك ستدفع ثمنها لاحقًا.
أو يمكنك أن تغامر، وتجرب، وتتعب قليلًا، لتحصل على مكافآت أكبر في المستقبل.
السؤال الذي أتركه لك: بكم تبيع منطقة راحتك؟

كتابة / عادل جمال