كلنا نعرف قصة الأرنب والسلحفاة. نهاية السباق واضحة… لكن ما بعد النهاية أقل وضوحًا. تخيّل السلحفاة وهي تتحول بعد الفوز إلى “لايف كوتش”: دورات عن الإصرار، نشرة أسبوعية اسمها «خطوة وراء خطوة»، ووسوم عن «حكمة البطء». جميل… لكن من قال إن الفوز يصلح منهجًا؟
صناعة أسطورة من سباق واحد
السلحفاة لم تفز لأنها ابتكرت تقنية؛ فازت لأن الأرنب نام. فارق كبير بين أن تكون فاعلًا يصنع السبب، وأن تكون مفعولًا به استفاد من ظرف طارئ. جرّب أن تسألها: أين بقية السباقات التي كسبتها بالطريقة نفسها؟ فلن تجد شيئًا.
الخبرة التي لا تُسلَّم باليد
الحياة ليست 1+1=2. لكل موقف سياقه وأطرافه وتوقيته وهامش خطئه. نصيحة عامة خرجت من واقعة واحدة — حتى لو كانت ملهمة — قد تتحول إلى وصفة مضلِّلة عند أول اختلاف بسيط في الظروف.
متى تصبح النصيحة مفيدة؟
حين تكون قابلة للتكرار بخطوات يمكن لشخص آخر تنفيذها، ومكشوفة الشروط يذكر صاحبها قيوده وموارده ولا يمحو السياق، وموثقة بالسوابق لا حالة يتيمة، وتتسع لذكر الإخفاق كما تذكر النجاح. وقتها فقط تتحول الحكاية إلى منهج.
مثال مضاد: حين تكون الأداة هي البطل… كذبًا
لو أن السلحفاة قدّمت تدريبًا واضح الخطوات لإدارة الإيقاع البطيء لمسافات طويلة — جداول زمنية، تمارين تنفّس، خطط متابعة — لصار الكلام تقنيًا، مجرَّبًا، قابلًا للتكرار. أما “كوتشينج حياة” لأن الأرنب غفل؟ هذه رومانسية سردية… لا طريقة عمل.
تحيّزات تصنع “كوتشينج” من لا شيء
نحن غالبًا نسمع صوت الفائز ونتجاهل مَن لم يصلوا رغم محاولاتهم؛ هذا تحيّز البقاء. ثم نعيد حبك القصة كما نحب سماعها لا كما حدثت؛ هذا تحيّز السرد. وبعدها ننسب النتيجة للإصرار وحده ونهمل الظروف التي صنعت الفارق — نعم، الأرنب نام — وذلك وهم السببية. بهذه التحيّزات يُبنى خطاب لامع بلا عظام.

Leave a Comment